الذي هو: الحجر الأساس في التعليم
يمثل عضو هيئة التدريس في أي موقع وفي أي مستوى من مستويات السلم التعليمي سواء في التعليم العام أو العالي، حجر الزاوية في العملية التعليمية والتربوية، ومن أجل أن يقوم بدوره على الوجه المطلوب لا بد من الأخذ في الاعتبار عدة أمور منها الكمي ومنها الكيفي، العامل الكمي يتمثل في التناسب بين عدد الطلاب وعدد الأساتذة، إذ لا يمكن تصور قيام عدد محدود من الأساتذة بالدور المطلوب، وبالصفة المناسبة في مدرسة مكتظة بالطلاب، فالعملية التعليمية لا تعني نقل المعرفة، وبأي صورة، بل لا بد من علاقة حميمية وقريبة بين الطالب وأستاذه حيث يحتاج المعلم إلى فهم طالبه بمشاعره وأحاسيسه وميوله ورغباته وتطلعاته، وهذه لا يمكن أن تتحقق ما لم يكن هناك وقت كاف للجلوس والحديث، والملاحظة من قبل المعلم لاستكشاف الكوامن لدى الطالب. وفي واقعنا المعاش يصعب تصور حدوث هذا الشيء، والمعلم يكلف بعدد هائل من الحصص الدراسية.العامل الكيفي لا يقل أهمية عن العامل الكمي، وما نقصده بالعامل الكيفي هو الخصائص التي يتحلى بها المعلم أو الأستاذ من حيث الدافعية للعمل وحبه والتفاني للقيام بمهنته على أعلى مستوى وأفضل صورة، إضافة إلى الرغبة في تطوير الذات، ومسابقة الزمن لاكتساب المهارات الضرورية، وإجادة التعامل مع التقنية الحديثة مع السعي الحثيث إلى اكتساب المعارف المستجدة في الحقل التربوي بشكل عام، أو في مجال التخصص الذي يقوم بتدريسه. إن التجديد والتشويق والقدرة على استثارة همم ودافعية الطلاب ليست بالأمر اليسير لكنها ليست مستحيلة متى ما كانت هدفاً يسعى إليه المعلم.ما أجمل أن يشعر الطالب بأبوة معلمه وحرصه عليه، ويجد فيه القدوة الحسنة ليكتسب منه الخصال الحميدة والقيم الراقية التي تستمر مع الطالب كلما تقدم به العمر، وليجد أثرها في حياته الأسرية وفي مجال عمله، وفي علاقاته الاجتماعية العامة سواء كان يسير في الشارع بسيارته أو في السوق، أو حين يراجع إدارة من الدوائر الرسمية.ما نلاحظه من خلل في سلوك البعض ومن تخلف في أداء الواجبات، أو من سوء في العلاقات مع الأهل أو زملاء العمل، أو مع عامة الناس ما هو إلا مؤشر على خلل في العملية التربوية والتعليمية. ويمكن للمدرسة أو الجامعة ممثلة في عضو هيئة التدريس أن يسهم في تلافي الكثير من هذه الأمور متى ما كان هو على مستوى المسؤولية التربوية التي ينتسب إليها، أما إن كان انتماؤه لمجرد الحصول على وظيفة يتكسب من خلالها دخلاً دون أخذ بأسباب الارتقاء بالعملية التعليمية والتربوية سيستمر الخلل وستظل المشكلات والأخطاء تتكرر إلى الأبد.نجاح العملية التعليمية والتربوية يحتاج إلى معادلة دقيقة تأخذ في الاعتبار مجموعة عناصر من أهمها شخصية المعلم المتزنة الناضجة، والعقل المنفتح غير المغلق، العقل القادر على فهم الآخرين، المحب للحوار الهادئ الهادف، إنسان قبل أن يكون حامل معرفة مع أهمية هذا العنصر، ملم بطرق وأساليب التربية والتعليم التي تجعل من مادته جاذبة مشوقة لا منفرة طاردة. المعلم ذو القيم السامية والسلوك الرشيد المتسم بالحكمة والحلم والصبر، المدرك أن مهنته رسالة قبل أن تكون وظيفة سنحقق من خلاله تفوق نظامنا التربوي.التغيرات السريعة في الحياة المعاصرة ليست مقصورة على الجانب التقني فقط، بل تشمل تغيرات في طريقة التفكير والسلوك والشخصية والقيم، إضافة إلى تغيرات في البناء الاجتماعي، والمدرسة ممثلة في عضو هيئة التدريس معنية بهذه التغيرات كي تكون جزءاً من العملية التربوية، وما لم يفطن المعلم لهذه التغيرات ويأخذها في الحسبان ستكون المدرسة أو الجامعة منعزلة عن واقعها.
الاقتصادية : الثلاثاء 20-10-1434هـ
هذا الذي هو: الحجر الأساس في التعليم
د. عبدالرحمن الطريري